ما الذي يجب علينا تجاهله في عالم الاسثمار؟

هناك لفتة جميلة احب الحديث عنها

يهتم المستثمرون دائما بوضع الخطط لاستثماراتهم و هذا شيء صحي و مهم

فتجدهم دائما يكتبون لائحة بافضل الاسهم للاستثمار و قائمة بافضل انواع الاستثمار و قائمة اخرى بافضل الكتب و المؤلفات عن الاستثمار و هكذا و لا عيب في ذلك ابدا

و لكن يجب علينا بجانب هذه القوائم وضع قوائم اخرى لا تقل اهمية بل يعتبرها البعض في المرتبة الاولى

هذه القوائم توضح مفهوم العنوان “ما الذي يجب علينا تجاهله و تجنبه؟

🙂

اذا قمنا بتطبيقها على نفس المفهوم سنجد عندنا مثلا: قائمة بالاسهم التي يجب الا استثمر فيها في الوقت الحالي او عدم التفكير فيها ابدا و قائمة اخرى بأنواع للاستثمارات يجب الابتعاد عنها في الوقت الحالي و قائمة ثالثة بالمؤلفات و الكتاب و اصحاب الرأي الذين يجب تجاهلهم و عدم الاخذ برأيهم و هكذا دواليك

قال دانيال بينك استاذ علم النفس في مقال حديث له “من أهم الامور في عصرنا الحالي هي اختياراتك للامور التي سوف تتجاهلها و تتركها و لا تضيع وقتك بها و هذه الاختيارات أهم و أكبر من اختياراتك للامور التي تهتم بها و تشغل نفسك بتعلمها و قراءتها و الاستثمار فيها باموالك”

الوقت ثمين و قصير و يجب ان ينظم بحرفية عالية و نحن في عصر التواصل الاجتماعي الرهيب و حالة الانفجار المعلوماتي في كل مكان

و ذلك يحتم علينا ان نكون انتقائيين بطريقة شديدة و متطرفة لحماية وقتنا و آراءنا و خبرتنا التي لم نكتسبها بسهولة بل عبر التجارب الطويلة و الصعبة و المكلفة ايضا

فكما أنه لا يصح تضييع الوقت في اللعب أو مشاهدة فيديوهات التيكتوك و صور الانستجرام و كل هذه الترهات

لا يصح ايضا متابعة كل ما ينشر و كل ما يتم التعليق به على مواقع التواصل الاجتماعي خصوصا في عالمنا العربي و بالاخص في وقتنا الحالي

لذا يجب علينا تكوين قائمة تشمل الصحف و الصفحات و التجمعات و التى تقوم وظيفتها على تشتيت الاراء و تضم القائمة ايضا من يشاركون و يكررون انتاج هذه الصحف سواء كانوا من المشهورين او غيرهم و تضم كذلك اي شخصية تحاول نقاشك او اقناعك بما في هذه المنشورات المشبوهة و تقوم بتكرارها؛ اعلم انها ستكون قائمة طويلة

يتميز وقتنا الذي نعيش فيه بأمر طريف قديم و لكنه تم استحداثه من جديد الا و هو: استحلال الكذب

فتجد الناس حاليا يستحلون الكذب و الخداع و لا ينفرون منه كما كانوا قديما

بل تجدهم يضعون أسبابا تبدو منطقية دعتهم لهذا الكذب

فمثلا تجد من يكذب و يكرر منشور او بوست كاذب جملة و تفصيلا و هو يعلم بذلك و لكنه يعتقد و يؤمن ان نشره في صالح البلاد و من أجل حمايتها!

و اخر يختلق اي كذبة اخرى و قلبه مطمئن لانه يعتقد انه يحمي استثماره و أسهمه من الهبوط!

بل وصل الامر ان هناك من يكذب و يدعي يوجود معجزة في بعض الصور المفبركة و هو يعلم تماما بفبركتها و ربما يكون هو الفنان الذي فبركها و لكنه يؤمن بأهمية ذلك تقوية أو حماية لدينه و ما يؤمن به و توسيع ملكوت الله في الارض!

الموضوع مهم و كما قالوا ليس كل نقاش بناء بل هناك نقاش هادم، نعم هادم لوقتك الثمين و عقلك و طريقة تفكيرك و خبراتك الطويلة و اموالك بالطبع

و ينتهى الكذب دائما نهاية مأساوية لصاحبه، حيث يبدأ الأمر بكذبة هو يعلم بشأنها ثم يكررها حتى ينتهي به الامر انه يصدقها بنفسه و يعتبرها حقيقة كاملة و يكون بذلك بدأ بالكذب على الاخرين و خداعهم و انتهي به الطريق بخداع نفسه بنفسه و تكون معيشته و تفكيره قائم على مجموعة من الاوهام، كذلك حال الكذب دائما طريقا دائريا يصل اوله بآخره!

و لتوضيح الفكرة اكبر يمكنك الان الابحار في وسائل التواصل الاجتماعي و انت مسلح بورقة و قلم لتبدأ في تكوين قائمتك و المفهوم ماثل في رأسك و سترى ما اعنيه بوضوح خاصة في هذه الايام

و انظر بنفسك الى ما ينشر و يكرر و يشارك بكثافة حاليا حول الدولار و الذهب و الاسهم – كمثال و ليس كحصر – و اقرأ ما يتم نشره كبيانات رسمية – او غير رسمية – و ابدأ بتكوين قائمتك وخذ وقتك لانها قائمة ثمينة و هامة

و الآن علمت ما الذي عليك ان تتجنبه و تتجاهله لتريح بالك و تجعل به فسحة اكبر للتفكير الجاد المثمر لحياتك و أموالك

هل أشترى هذا السهم لأنه رخيص حاليا؟ – موضوع للنقاش

نقاش حدث بيني و بين شخص على الخاص في الفيسبوك و احببت ان اكتبه في هذه المساحة

عندما نحاول اتخاذ قرار باستثمار أموالنا عن طريق شراء أصل (أسهم شركة, عقار, معادن نفيسة, سيارة, أي شىء استثماي آخر) و كان سبب الاستثمار هو السبب الشهير: سعر هذا الاصل رخيص حاليا و ذلك بالطبع بعد هبوط كبير في القيمة السوقية لهذا الأصل/السهم

بالطبع تستطيع الاستثمار بناءا على هذا السبب

و لكن لابد أن يكون القرار مبني على إجابة جيدة لسؤالين محددين
السؤال الأول: كم نسبة النمو الذي يحتاجه قيمة الأصل الحالي ليعود الى قيمته قبل الهبوط

كمثال: سنأخذ حالة سهم في البورصة

السهم مثلا قد هبط من سعر 10 جنيهات الى 4 جنيهات و لذا تكون نسبة خسارة السهم من قيمته هى 60 في المائة و لذا فانه يحتاج لكي يعوض خسارته و يعود لقيمته السابقة (10 جنيهات) أن ينمو من قيمته الحالية (4 جنيهات) بمقدار الخسارة و هى (6 جنيهات) أي أنه يحتاج نمو من سعره الحالي مرة و نصف أو بنسبة 150 في المائة من سعره الحالي
اكرر دائما هذه النقطة دائما لانه من الغريب أنها غائبة عند بعض الناس و اجدهم يعتقدون ان الاصل الذي خسر من قيمته 60 في المائة يحتاج فقط نفس النسبة من الربح ليعود الى سعره السابق اي انه يحتاج الى 60 في المائة فقط للتعويض! و ذلك غريب و تفسيره انهم مازالوا عالقين ذهنيا في سعر السهم القديم و غائبين عن الواقع الحالي لسعر السهم الذي يتم تنفيذ هذه العمليات عليه

لذا بهذا المثال: يكون اجابتنا على السؤال الأول أننا نحتاج نمو في سعر السهم قدره مرة و نصف من سعره الحالى او 150 في المائة

السؤال الثاني: تحديد تقديري و ليس تحديد حاسم بالوقت اللازم الذي يحتاجه السهم للنمو بهذه النسبة للعودة الى سعره القديم
و ذلك يتم بالنظر الى تاريخ السهم ككل و تاريخه القريب و ايضا تاريخ قطاع شركة السهم و أداء الاسهم الشبيهة و التى تعمل بنفس قطاع الشركة أو بمنتج مشابه و آداءها في اوقات مشابهة و ايضا نظرة عامة على تاريخ السوق ككل و احصائياته و كيف كان آدائه في أوقات مناسبة

و لذا بعد دراستنا لسعر السهم حسب تاريخه نستطيع أن نعطي وقت للاستثمار ثلاثة أشهر و بشرط عدم نزول السهم مرة أخرى و عدم تخطيه أبدا سعر شرائنا له فاذا تخطى سعر الشراء يتم الخروج فورا و اذا قضى ثلاثة اشهر بدون الوصول الى الهدف يتم الخروج ايضا

تحديد عمر الاستثمار قبل الاقدام عليه أهم من العائد على هذا الاستثمار نفسه

مرة أخرى التوقيت اللازم لعملياتك أمر في منتهى الأهمية و يجب تحديده قبل الدخول في العملية و لا يجب

أن يكون مفتوحا

لماذا نحتاج الى الاجابة الى هذه الاسئلة قبل اتخاذ قرار الشراء في أصل يُعتبر سعره جيدا أو رخيصا لما كان عليه من فترة قريبة
ببساطة لانه لا يوجد أي ضمان أن السعر سيعود أصلا لسعره القديم

و احيانا ليس هناك ضمانا لاستمرار وجود الشركة نفسها من الاساس او استمرار وجود هذا الاصل من الاساس

لا يوجد شيىء اسمه: اين سيذهب سعر هذا السهم بعد كل هذا الهبوط, او انه لا يوجد هبوط بعد ذلك, أو ايا من تلك الاسباب الغير منطقية و التي لا تستند على نظرة واقعية للأمور و للتاريخ و احصائيات الاسعار

لابد ان تعرف انه في عام 1950 كانت البورصة الامريكية مدرج بها 28,853 شركة (ثمانية و عشرون ألف و ثمانمائة و ثلاثة و خمسون شركة)
و الان و بعد 70 سنة كم شركة من هذه الشركات اختفت من الوجود؟ هل تعلم؟
اذا كنت لا تعلم دعني اخبرك
اختفى من الوجود و ماتت 22,469 (اثنان و عشرون الف و أربعمائة و تسعة و ستون شركة)
كيف اختفوا من الوجود؟
رغم ان سبب موتهم ليس مهما بالنسبة لاستثمارك و اموالك و لكن الاسباب على اي حال متعددة مثل: الاستحواذ و الاندماج و التحول أو العودة كشركة خاصة و الافلاس او الاغلاق و التسييل و غيرهم
المهم و الحاصل أنك اذا لم تكن مخططا جيدا لاستثماراتك و تجارتك فأموالك ليست بأمان على طول الخط

هل مازلت لم تقتنع؟ تريد أمثلة من السوق المصري؟

رغم أني أستطيع أن أعدد أمثلة من كل قطاعات السوق المصري بلا استثناء و لكن دعنا لمثالا او اثنين و لقطاعات ليس لها دورات استثمارية مختلفة مثل قطاع العقارات لكنها قطاعات في حالة نمو دائم مثل قطاع الاغذية أو قطاع النقل و الشحن

هل تعرف شركة الدلتا للسكر؟ هل تعلم انه في العام 2008 (أي منذ خمسة عشر عاما) كان سعر السهم وقتها وصل الى 10 جنيهات هابطا من 45 جنيها يبدو أنه كان استثمارا رخيصا و سعر جيد لشركة كبيرة مثل تلك الشركة, هل هذا صحيح؟

هل كنت ستنظر نفس النظرة لسهم الشركة منذ خمسة عشر عاما و تقول انها رخيصة و ان سهمها لن يخسر أكثر من ذلك و تعدد مزايا الاستثمار فيها و رخصه و تحسب عدد الاسهم التي تستطيع شراءها بأموالك بسبب رخص سعر السهم

يبدو أنك تعرف ما الذي حدث بعد ذلك! .. فان سعر سهم الدلتا للسكر و بعد خمسة عشر عاما كاملة مازال يحوم حول 10 جنيهات, هل تعرف ذلك؟ أو ربما تفكر أنه كان باستطاعتي شرائه و بيعه عند كل ارتداده للسهم؟ هل كنت ستفعل ذلك؟ ما الدافع الذي سيجعلك تبيع سهمك في الوقت المناسب؟ هل يوجد سبب أو ربما تعلم الغيب انه سيهبط ثانية ؟ أسئلة كثيرة بالفعل لابد من الاجابة عليها مسبقا

الدلتا للسكر

هل تريد مثال آخر من قطاع آخر؟ لننظر الى قطاع الشحن الكبير

هل ترى شركات هذا القطاع الهام و عددها الصغير؟ انظر الى اي شركة بهم, انظر مثلا الى القناة للتوكيلات الملاحية! هل ترى شيئا شبيها لحالة الدلتا للسكر؟

القناة للتوكيلات

أحد الأصدقاء له قصة طريفة لها علاقة بهذه الشركة, أخبرني أنه استثمر فيها و هو مازال شابا بعد وفاة والده في عام 2008 و وضع جزء كبير من ارثه كاستثمار في هذه الشركة و تزوج بباقي الارث و كان سبب الاستثمار بالطبع أن السعر رخيص و انها لن تذهب ابعد من ذلك و غيرها من الاسباب الشهيرة عند حديثي العهد بالبورصة؛ يقول لي الآن و بعد خمسة عشر عاما أن لديه ابن في الثانوية العامة من استثماره في الزواج بينما استثماره في الشركة مازال كما هو! و لكني لم أخبره أنه ليس كما هو لأزيد من احباطه!, بالطبع ليس كما هو لأنه خسر الكثير بسبب التضخم, فالاستثمار كما هو رقميا فقط, اذا استثمر 100 الف وقتها و باع الان فانه مازال لديه 100 الف فقط و لكن قيمة المائة الف وقتها غير قيمتها الان, هذه هى القيمة الزمنية للمال و التضخم كالفائدة المركبة و لكن في الاتجاه المعاكس

لابد أن تحدد هدفك من الاستثمار و وقت للوصول لهذا الهدف – وقت محدد – اذا لم تصل الى هدفك خلاله يكون تخارجك سريعا و بدون اعادة تفكير
و تذكر دائما انك تستطيع الدخول مرة اخرى اذا تغيرت الظروف و لاحت فرصة اخرى حتى في نفس الاصل او السهم او ايا كان نوع الاستثمار الذي تدرسه حاليا

و بخلاف ذلك ينبغى ان تعلم ان طرق الاستثمار كثيرة و شراء اصول رخيصة هى احدهم و ليست أفضلهم و شهرتها بسبب منطقيتها عند تفكير الشخص العادي الغير محترف فقط

و مع شهرتها فان مشاكلها كثيرة و أشهر هذه المشاكل يحدث اذا استمر الاصل في الهبوط و لم يتوقف مثل الحالات السابقة فان نفس الشخص العادي لا يبيع اطلاقا رافضا خسارة اي شىء من ماله و يمني نفسه بالعودة لسعر الشراء و الدخول القديم و اثناء ذلك فان السهم مازال يتهاوى و هو يفعل ذلك بسبب انه ليس شخص متمرس و يدور و يتقلب بين أحاسيسه و عواطفه ثم يقوم بعد ذلك بأسوء قرار الا وهو بالدخول مرة اخرى عند سعر اقل و يزيد الطين بله و كانه يجمع المال بالجهد ليلقيه في الشارع و يسمى ذلك -عمل متوسطات- و هكذا دواليك

لذلك اختيارك لطريقة استثمار معينة ينبغى ان يكون متوافقا مع حالتك الشخصية و تكون طريقة لها تاريخ عائدي جيد و خطوات يتم اتخاذها عند كل الظروف لكيلا تلجأ الى العاطفة و الأهواء و اتخاذ قرارات خاطئة ثم البحث عن اسباب لتفسيرها و اعطاء غطاء منطقى لها