قاعدة هامة: لا تفترض قيمة عادلة او تقييم معين للأشياء التي تضارب عليها و تتداولها

هناك قصة قديمة توضح معنى هذه القاعدة قرأتها قديما و لكني لا أتذكر اين و لكني سأرويها من ذاكرتي على اي حال

كان هناك رجل في الخمسين من عمره يسير في غروب احد الايام بجوار رصيف الميناء حيث كانت سفن الصيد تبحر عائدة الى الرصيف بعد يوم عمل شاق و كان بعضهم قد وصل فعليا و بحارته يقومون بالاعداد للرسو و تنزيل بضاعتهم

اكمل الرجل سيره المتمهل و هو يستنشق هواء البحر المشبع باليود مستمعا الى صياح طيور البحر الى بعضها و طيرانها في دوائر حول المراكب الراسية

و اثناء سيره لاحظ في احد جوانب الميناء تجمعا من الرجال و الصيادين في دائرة حول شىء و هم يتصايحون و يتحدثون بينما يرفعون احيانا ايديهم

و بدافع من الفضول اتجه الى هذا الجمع لينظر الى داخل هذه الدائرة و بصعوبة وجد مكانا ليقف فيه بين الرجال و قد غطت اصواتهم على صياح النورس

و قد وجد في وسط الدائرة رجل اسيوي جالسا على صنودق خشبي و بيديه علبة سردين ذات شكل مميز

كان رجل صغير الحجم بشعر فاحم و بشرة لوحتها الشمس و اجواء البحار و كانت اكمامه مرتفعه فوق رسغه و كان كلما صاح احد الرجال الواقفين قائلا رقم معين اشار اليه الاسيوي بالايجاب

عندها فهم الرجل ما يحدث
كان نوع من المزايدة على علبة السردين و فهم انه سردين من نوع نادر و وقف يستمع و يتأمل المزايدة
“مائة دولار” يصيح احدهم
” اشتري انا على مائة و عشرة” يرد عليه آخر
و عندما لا يكمل ثالث يجد الاسيوي يتولى الحديث
“هل يزيد احدكم؟ هل اسمع مائة و عشرين”
عندها يظهر مشتري ” ادفع مائة و خمسة و عشرين”

كانت المزايدة حامية جدا بين الرجال و معدية الى حد كبير
حتى ان الرجل تحركت عواطفه و قد اصابته العدوى و وجد نفسه بدأ في المزايدة
“مائة و ثلاثون”
عندها اشار الاسيوي اليه بالايجاب مبتسما
رد احد الرجال القريبين “مائة و خمسة و ثلاثون”
مائة و خمسة و ثلاثون.. صاح الاسيوي
مائة و خمسة و ثلاثون.. صاح مرة اخرى
هل هناك من سيقول مائة و اربعون
ألاؤنا

و عندها زادت خفقات قلب الرجل الغريب و تسارعت رئتيه في التنفس حتى قام برفع يده و أشار و هو يصيح بقوة
” مائة و اربعووون”
التفت اليه الاسيوي صائحا
” تم البيع”

لم يصدق الغريب نفسه
لقد فاز
لقد فاز بالمزاد بالفعل على كل الواقفين
بدأ تنفسه يهدأ قليلا و هو يحاول كبح جماح سعادته و بدأ الرجال حوله يربتون على اكتافه و ظهره مهنئين

و قام الغريب بدفع ثمن البيع الى الاسيوي و حصل منه على علبة السردين، الجائزة و ذهب بها الى بيته و هو في غاية السعادة و الحبور

دلف الرجل الى بيته يغمره سرور بالغ و احساس عظيم بالفوز و قد قام باظهار علبة السردين الى زوجته و حكى لها ما حدث و عن فوزه
ابتسمت زوجته و هنأته و قامت باعداد مائدة العشاء التي ستكون هذا السردين النادر الرائع

و جلسوا معا الى المائدة و وضع الرجل علبة السردين امامه وبدأ بسرور بالغ بفتح العلبة

و عندما بدأ السردين في الظهور داخل العلبة حتى ملئت المكان رائحة كريهة مقززة صادرة من علبة السردين

كان السردين متعفنا داخل العلبة!
صاحت زوجة الرجل غير مصدقة و متقززة من الرائحة

و قفز الرجل من مقعده و قد اعتلاه غضب شديد و قد حمل علبة السردين و خرج من بيته يعدو في اتجاه رصيف الميناء و حيثما كانت المزايدة قائمة منذ وقت قصير

و عندما وصل وجد الاسيوي مازال هناك وحيدا يغتسل في نهاية يومه بجوار صندوقه الذي كان يجلس عليه

و عندما وصل له حكى له ما حدث و اراه علبة السردين المتعفنة

الا ان الرجل الاسيوي ارتفعت ضحكته و قهقهاته بصوت عالي جدا و عندما انتهى نظر الى الرجل الغريب و قال له

ايها الاحمق
هذا السردين ليس للأكل
هذا السردين للمضاربة

معدل الفائدة مقارنة بالتضخم لكل دولة منذ بداية العام

اطلق موقع فيجوال كابيتالست رسما احصائيا شيقا لتوضيح ماذا حدث خلال العام الحالي من حيث تطور الاسعار و تضخمها بكل دولة و رد فعل مسؤولي السياسة النقدية بتعديل نسبة الفائدة بكل دولة ايضا و توضيح المقارنة بينها

رفع الفائدة و نسبة التضخم لكل دولة



في الرسم البياني على اليمين و اليسار يتضح نسبة تضخم الاسعار و في الاسفل نسبة الفائدة و يظهر في الرسم التطور الحادث بعلم الدولة

فاذا تخيلنا تضخم الاسعار كسيارة مسرعة على منحدر و لتقليل حدة انحدارها يجب علينا ان نستعمل مكابح او فرامل تلك السيارة، و لهذا فان رفع نسبة الفائدة هى هذه الفرامل

و كما تختلف قوة شخص لاخر في استخدام هذه الفرامل كذلك الامر تختلف ردة فعل بنك مركزي عن الاخر في سرعة و قوة استخدامها للفرامل

اذا نظرنا الى البنوك المركزية من هذا الاتجاه سنجد الفيدرالي الامريكي هو اسرع البنوك في محاولة كبح جماح التضخم حيث قام برفع نسبة الفائدة بمقدار 1.5% منذ يناير 2022 و نصف هذه الزيادة حدثت في يونيو الحالي

مقارنة منذ بداية العام



اما بالنسبة للبنك المركزي الاوروبي فرغم تأثرهم بنسبة تضخم تصل الى 8.1% فانهم لم يرفعوا الفائدة حتى الان و ذلك بسبب تأثيرات الحرب المجاورة لهم و لكن تم الاعلان عن رفع بنسبة ربع سيتم في الاجتماع القادم في يوليو و اخر اكبر منه في سبتمبر


و كما قلنا في مقالات سابقة ان رفع نسبة الفائدة هو احد الحلول و ليس الحل الوحيد و يجب ايضا ان يتم استخدامه بحساب دقيق لان الرفع السريع المتوالي قد يسبب ماهو اسوء من التضخم او ما يسمى بالركود الاقتصادي في الاسواق كلها كما حدث عام 1980 عندما رفع فولكر الفائدة حتى وصلت 20% و دخل العالم في حالة ركود سيئة و في نفس الوقت يجب الا يكون معدل الرفع أبطىء من حركة التضخم لانه وقتها سيجد التضخم القوة الدافعة التي ستجعله يكمل طريقه نحو الهاوية مثل الحال في دول الشرق الاوسط

ماذا بعد القرار التاريخي الفيدرالي و تأثيره على المستثمرين و على رجل الشارع

قام مسؤولي الفيدرالي الامريكي برفع الفائدة بمقدار 0.75% يوم الاربعاء الماضي
و كان هذا المقدار من الرفع هو الاكبر منذ نوفمبر 1994
ايضا هذا القرار هو الثالث من نوعه خلال العام الحالي 2022 و مقدار الرفع هو الاكبر في الثلاث

و جاء في التصريح ان القرار احد ادوات مواجهة التضخم الحالي و ان هذا التضخم كان سببه مشاكل الموردين و الحرب الاوكرانية و اجراءات الصين الحالية في مواجهتها لاحد موجات فيروس كورونا

و اعترف باول بخطورة التضخم الحالي و تأثيره على الاسواق و لكنه ايضا اكد انه لا يوجد حل لمواجهته بدون الوقوع في مشكلة الركود و التي يمكن ان تمتد الى نهاية السنة القادمة و ان هذه المشكلة خارج نطاق ارادته و امكانياته

أكد ايضا على موضوع الركود العديد من الاقتصاديين و العديد من البنوك الكبرى و اطلقوا العديد من التحذيرات و التقارير

لنفهم القرار لابد ان نعود الى الاساسيات لانعاش ذاكرتنا جميعا
لماذا يقوم الفيدرالي و تلجأ البنوك المركزية الى رفع الفائدة عموما؟

يتحكم البنك الفيدرالي و اخوانه من البنوك المركزية حول العالم في تحديد نسبة الفائدة على الاقراض في بلدانها و هذه الفائدة ليست ما يدفعه الشخص العادي اذا اقترض و لكنها نسبة تخص باقي البنوك في دولة الفيدرالي و هى ما سوف تدفعه البنوك من فائدة على الاموال التي تحصل عليها و تقترضها يوميا من الفيدرالي نفسه

و رغم ان هذه الفائدة ليست ما يدفعه الشخص العادي على قروضه الا ان البنوك التي تدفع هذه الفائدة و تقرض باقي المواطنين تقوم بالتبعية برفع الفائدة على قروض و تسهيلات المواطنين بعد هذا القرار و غالبا بقيم اعلى من قيمة رفع الفيدرالي

و لهذا فانه برفع الفيدرالي للفائدة فانه بذلك يزيد من تكلفة القروض و التسهيلات على المستهلك العادي و على الشركات العاملة في الاسواق

و بذلك فانه يحجم و يثبط من قدرة المواطنين على الانفاق و شراء المنتجات و بالتالي يقل الطلب على هذه المنتجات و بالتالي تقل و تهبط اسعارها بالتبعية

و بهذا تكون رفع نسبة الفائدة على الاقراض هى احد – و ليست كل – ادوات البنوك المركزية في مواجهة التضخم و تحجيمه و العودة به الى المستهدف و هو في حالة الولايات المتحدة 2%

و لكن هذه الاداة تأتي احيانا بآثار جانبية غير مستحبة مثل زيادة البطالة بين الناس و حالة ركود في الاسواق

ايضا في الايام الحالية التى نعيشها سيشعر الناس بالتأثير السىء على الجانبين لان نتيجة رفع الفائدة في خفض التضخم ليست سريعة

لذا فأثناء تضرر المستهلك من ارتفاع الاسعار الحالي في المنتجات و التي سببها التضخم فانه على الجانب الاخر سيتضرر ايضا من زيادة تكلفة الاقتراض اذا لجأ الي شراء هذه المنتجات بالتقسيط او لجأ الى تمويل لشراء عقار او سيارة أو استخدم بطاقة المشتريات في احد العمليات – وصلت الفائدة على بطاقات المشتريات في الولايات المتحدة حاليا 16.4% قابلة للزيادة

لذا سيكون الضرر الحالي اكبر و اعمق حتى تبدأ الاسعار المتضخمة في الاستجابة و تهبط و ذلك لن يحدث في يوم و ليلة بل سيمتد للشهور المقبلة و ايضا معرضة للتفاقم تحت اي اخبار مفاجئة مثل الحرب الأوكرانية مثلا

هناك بالطبع جانب ايجابي لرفع الفائدة و هو ارتفاع نسبة الفائدة على الايداع – ليس بنفس النسبة و لكنها ترتفع على اي حال – و هذا الجانب لن يستفيد منه الا اصحاب المدخرات الكبيرة و ايضا الذين يستطيعون تعليق هذه المدخرات لفترات كبيرة تمتد لثلاث سنوات او خمس سنوات في شهادة ايداع

و بالرغم من هذا الجانب الايجابي فان له ايضا اثرا سلبيا جانبيا و هو تأثير التضخم على هذه المخدرات المعلقة فترة كبيرة من الوقت سيكون كبيرا ايضا

بعد ذلك ما تأثير هذا القرار على البورصة و اسواق المال؟

كان تأثير القرار يوم الاربعاء على الاسواق استجابة جيدة و ارتفعت الاسواق احتفالا حتى انقشع غبار الاخبار

و بعدما تمت القراءة المتأنية للتصريحات الصحفية فوجىء المتداولون بأن باول أشار الى امكانية الرفع بنفس القيمة في الاجتماع القادم و لكن تحت تطور الظروف السياسية و الاقتصادية

و ذلك يعتبر ليس تأكيدا على الرفع و لكنه تركها مفتوحة للظروف بمعنى أن هناك امكانية ايضا لعدم الرفع او الرفع بمقدار ربع او نصف في المائة

و هكذا كانت الصدمة التى ترجمت في الاسواق يومي الخميس و الجمعة الي البيع و الهبوط المكثف للاصول

و استمرت الاسواق في اتجاهها الهابط بعد صعود الاربعاء الاحتفالي

و هذا ما يوضح وجهة الاسواق خلال الفترة المقبلة عموما و لهذا وجب الحذر لانه يبدو ان الطريق لاسفل مازال طويلا نسبيا و لا تلوح نهاية في الافق حتى الان